عباس عواله: صوتُ موتٍ أعلى من الصّمت/ نادين خزعل.
عباس عواله..
طفل استشهد بغارة إسرائيلية معادية استهدفت بلدة تولين..
لا…
لن نقبل أن يكون هذا الخبر خبرًا صحفيًّا عاديًّا يمر مرور الكرام في احتدام الأحداث…
عباس هو كل طالب لبناني، هو كل أطفالنا، هو كل الجنوب، هو كل لبنان..
لم يكتمل عمر عباس عواله ليحمل في قلبه نضج الحلم، وأغمض عينيه باكرًا ولكن بقي بريق الطفولة التي تأبى إلا أن تزهر حتى في عزّ الرماد.
عباس، ابن بلدة تولين الجنوبية، وتلميذ مؤسسات أمل التربوية، ارتقى شهيدًا في غارة إسرائيلية معادية، غادرة، همجية، وحشية، مجرمة، طالت براءته، وسرقت منه الحياة قبل أن يغفو على حلمه الأخير.
في لحظة خارجة من مدار الصمت والتخاذل، اختلط دفتر المدرسة بتراب الأرض، وهنا في الجنوب، كما دائماً، تشظّت الأقلام كما الأحلام، ونامت الحروف على خد الشهادة، تكتب بدم عباس، قصة وطن لا يكفّ عن النزف.
لم يكن عباس مقاتلًا في ساحة حرب، ولا في موقع عسكري، كان فقط تلميذًا، طفلًا، يحضر كتبه وحقيبته وينتظر الغد ليبدأ عامًا دراسيًّا جديدًا، ولكن، تربص الشيطان بعباس، وخنق
صوته قبل أن يعلو في الصفّ بالإجابات، وأسكت النبض في قلبه مغتالًا أمله بمستقبل واعد.
طائرات الحقد هي هي، لا تفرّق بين قلمٍ وصاروخ، بين مدرسةٍ وموقع، بين براءةٍ وخطر، بين حق وبين اعتداء…
استُشهد عباس، و مقعده في الصفّ سينتظر، يبكي على تلميذ غاب ويستحضر الدمع لتلميذ سيرحل، والصوت سيتلاشى مع الموت في الممرات..
استُشهد عباس…..
وكل صامت هو شريك في قتل عباس…
فإلى متى سيبقى أطفال لبنان، طلابه، زهوره الصغيرة، في مرمى نيران العدو؟
إلى متى سنعدّ الشهداء على وقع الصمت الدولي؟
إلى متى سيبقى الغدر هو اللغة الوحيدة التي يتقنها هذا الكيان الهمجي الذي يزرع الموت في كل زاوية حياة؟
عباس، أيها الغالي، أيها الشهيد الصغير…
نم قرير العين، فاسمك سيظلّ قصيدة موجعة على شفاه الوطن.
وسنكتبك في التاريخ شهيدًا للتربية، شهيدًا للحلم، شهيدًا لبيروت وجنوبها، شهيدًا لكلّ لبنان.