الدوائرُ العقاريةُ: حيث تُقونِنُ الدولةُ إذلالَ المواطنين.
كتبت نادين خزعل في شبكة ZNN الاخبارية :
Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!معالي وزير المالية ياسين جابر،
وأنت تقرأ هذه السطور، ليتك تقوم بإعطاء أوامرك بالتجهيزات اللوجستية لتتوجه إلى الدوائر العقارية وتحديدًا السجل العقاري والمحتسبية في بعبدا كي ترى على أرض الواقع كيف هو الواقع…
فما الذي يجري هناك؟
الدوائر العقارية هي مرفق رسمي يحتاج إلى خدماته كل المواطنين دون أي استثناء، من تسجيل عقود البيع إلى الاستحصال على سندات الملكية، إلى إثبات ونفي الملكية، إلى تنفيذ رسوم الانتقال، وطلبات القيم التأجيرية وغير ذلك..
في هذا المرفق يدفع المواطنون للدولة التي أنتم يا معاليك تمثلونها الأموال والرسوم، وهم ملزمون بالدفع ولا مفر منه، فالتأخير يستلزم غرامات ودونه الكثير من العواقب التي لا يريد المواطن تكبدها.
ولكن..معاليك، إليك كيف يبدو المشهد..
درج حجري، يليه موزع نحو اليمين ونحو اليسار… هنا لا يعود بالإمكان تحديد ملامح المكان، فالاكتظاظ الكبير والطوابير تبدأ من ساعات الفجر الأولى، إذ يجهد المواطنون والمحامون ومعقبو المعاملات بالوصول باكرًا من أجل حجز
“دورهم” للدخول إلى مكاتب السجلات العقارية المقسمة وفق المناطق في غرف صغيرة يتكدس فيها الموظفون والمواطنون والملفات والرطوبة وروائح العرق والهواء المحتبس..
ويتكرر المشهد يسارًا، نحو الأقلام، والمكاتب، والكل ملتصق بالكل، النساء بالرجال، المحامون بباعة القهوة، والطوابير أيضًا هي سيدة الموقف بشكل مريع ولتوقيت يمتد لساعات.
أمّا في المحتسبية- المالية، فيا لهول ما ستراه يا معالي الوزير…الملفات ملقاة في كل مكان، والمعاملات مكدسة في الممرات وعلى الطاولات والخزائن، والممر بالكاد يتسع لمرور شخص واحد، فلك أن تتخيل، وطبعًا مشهد الاكتظاظ البشري يتكرّر أيضًا.
في الطابق الأول المترهل الذي يرسم العفن على جدرانه خرائط وتتدلى من سقفه “شرطان” الكهرباء، تواجه المواطن حين يصل عبارة “السيستام مقطوع”…هي عبارة جديدة ضُمَّت إلى قاموس الخذلان الذي تُجرّعه الدولة في لبنان للمواطنين…
هنا..
ليست معادلة مواطن “يشحذ” من الدولة حقه بالدواء والغذاء والكهرباء، بل معادلة مواطن ما زال “تحت سقف القانون”، ما زال مؤمنًا بدفع ما يترتب عليه رغم أنه لا يأخذ شيئًا من حقوقه..هي معادلة مواطن حتى ليدفع عليه أن يتوسل ويترجى، وأن يشحذ من الدولة حقها عليه بإتمام واجباته تجاهها: عبارة عصية على الاستيعاب ولكنها توصّف واقع الحال.
معالي الوزير…
هلمَّ بكَ بعد مغادرتك مبنى المحتسبية أو العقارية وتوجه إلى محلات الـWHISH والمكتبات والدكاكين، هناك ستطالعك أيضًا طوابير المهندسين والمحامين ومعقّبي المعاملات والمواطنين العاديين… ماكينة وسم الطوابع معطلة دومًا، والطوابع غير متوفرة، والـWHISH بلا وجه منطق وبشكل مقونن يقوم بسرقة موصوفة.كيف؟
الاستحصال على إفادة عقارية على سبيل المثال، يتطلب طابعًا قيمته 365000 ل.ل، أما شراء الطابع من WHISHأو سواه من شركات تحصيل الأموال، فإن البدل يرتفع ليصبح 470000. هذا التعميم معلق داخل الدوائر العقارية ولكن بالتوجه إلى WHISH للحصول على الطابع، فإن المبلغ يصبح 473000!!!!!!
3000 ل.ل يتم تقاضيها عن كل طابع فمن يراقب؟ وأيضًا كيف الايصال المستحصل عليه يذكر أن هناك 100 ألف تُستوفى لصالح الخزينة؟ فأي خزينة؟
( مرفق ربطًا بالصورة)..

حتى المستندات الورقية لتقديم الطلبات على المواطن شراؤها من طلب إفادة محتويات إلى طلب إفادة عقارية إلى طلب بيان قيمة تأجيرية وغيرها ويتراوح سعر الورقة بين الخمسين والمئة ألف ليرة لبنانية.
معاليك…
عذرًا قبل أن تتوجه إلى بعبدا تأكد من بيانات دائرة الشؤون العقارية، فثمة أيام مخصصة لتقديم المعاملات الجديدة، وأخرى للمراجعات، وأخرى لأعمال إدارية، وأخرى لا يفهم المواطن كيف هي…..وغالبًا ما يتوجه المواطنون إلى الدائرة دون أن يكون لديهم معلومات حول الإطار الذي تندرج تحته معاملاتهم، فيطلب منهم العودة في نهار آخر..

المواطن ثم المواطن ثم المواطن هو الضحية….
وعليه يا معالي الوزير..
ما يجري في الدوائر العقارية وبعبدا مجرد مثال هو أمرٌ خطير…واستمرار التعاطي اللامسؤول مع ملفات تسجيل العقارات وقطع الإرساليات واحتساب الواردات وضرائب الأملاك المبنية ينذر بكارثة إجتماعية خطيرة ستُضاف إلى الكوارث الضاربة لبنان من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه..
والوضع هناك يشبه انفجارًا اجتماعيًّا في واحدة من أكبر الدوائر في جبل لبنان مناطقًا وأصغرها مساحةً..
معالي الوزير..
ندرك أن أزمة عمرها عشرات السنوات لا يمكن حلها بعصا سحرية، وندرك أن دون الحلول الكثير من العوائق والصعوبات، ولكن رحلة ألف ميل الإصلاح تبدأ بخطوة، وتطبيق القانون يبدأ بمنع قوننة الإذلال.