عاشوراء بعيون قانونية.
أحمد منصور القميش/مستشار قانوني / مملكة البحرين
Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!من الثابت أن القانون الدولي الإنساني يُعد أحد فروع القانون الدولي وهو يطبق في وقت النزاعات المسلحة سواء كانت ذات طابع دولي أو محلي في نطاق الدولة وهو يسعى لحماية وتخفيف معاناة عدة فئات عند نشوب النزاع المسلح ومن بين هذه الفئات المرضى والجرحى وأسرى الحرب من المقاتلين العاجزين عن مواصلة القتال إلى جانب حماية المدنيين الذين ليس لهم علاقة بالنزاع المسلح الدائر .
وتعتبر إتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية ضحايا الحرب الصادرة في الثاني عشر من أغسطس لعام 1949 ميلادية أهم الإتفاقيات ذات الصلة بالقانون الدولي الإنساني وهنا تجدر الإشارة إلى أن البرتوكول الثاني في مادته الأولى نصت على أنه ” لا يسري هذا البرتوكول على حالات الإضطرابات والتوترات الداخلية”
وقد كان الإسلام بقيادة رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم سباقًا في وضع المبادىء الأساسية لتنظيم النزاعات المسلحة لحماية المدنيين من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ وحماية الممتلكات العامة والخاصة ودور العبادة وحفظ حرمتها وحماية المقاتلين المشتركين في القتال كالمرضى والجرحى وأسرى الحرب .
والأحاديث الواردة عن نبي الرحمة محمد كثيرة جدًا منها ما قاله أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام بشأن إبن ملجم ” ولا يمثل بالرجل ، فإني سمعت رسول الله ، صلى الله عليه واله وسلم ، يقول ” اياكم والمثلة ، ولو بالكلب العقور ” كما إن رسول الله قال ” سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله…لا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخا فانيًا، ولا صبيًا، ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرًا، إلا أن تضطروا إليها… الخ “
وفي حديث آخر عن مولانا أمير المؤمنين للحسن والحسين عليهما السلام لما ضربه إبن ملجم حيث قال ” احبسوا هذا الأسير واطعموه واسقوه واحسنوا اساره “
وفي نفس السياق نتساءل هل التزم يزيد ابن معاوية وأعوانه بتعاليم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في واقعة كربلاء عند محاربة سيد شباب أهل الجنة يوم العاشر من محرم؟ بالطبع ستكون الإجابة بالنفي وحتى لو أخضعنا الوقائع واستعرضناها بلغة قانونية معاصرة إستنادًا للإتفاقيات الدولية وإعلانات حقوق الإنسان العالمية فان جرائم يزيد والإنتهاكات التي مارسها ضد الإنسانية والأمة بشكل عام وضد الإمام الحسين وأصحابه والأطفال والنساء بشكل خاص شاهدة بكل وضوح على جرائمه التي بدأت من لحظة توريثه السلطة من أبيه معاوية المنتسب له واغتصابه للسلطة السياسية حتى لحظة الاشتباك المسلح الذي بدأه في كربلاء وما صاحبه من جرائم ألقت بضلالها على المسلمين في بلداننا العربية والإسلامية حتى تاريخ الاسلام اليوم.
تعرف الجريمة في القانون بأنها كل سلوك إيجابي أو سلبي غير مشروع يصدر عن إرادة جنائية يقرر لها المشرع القانوني عقوبة للحفاظ على قيم وأمن المجتمع ومصالح أفراده بهدف المصلحة العامة .
ومن هذا المنطلق سأتطرق بشكل مختصر لبعض الجرائم والانتهاكات المرتكبة من معسكر يزيد ضد الإمام الحسين وأنصاره وأهل بيته في معركة كربلاء بلغة قانونية معاصرة إستنادًا للإتفاقيات الدولية وأعلانات حقوق الإنسان ودساتير الدول ذات النظم الديمقراطية في عصرنا الحديث ولا يعني هذا الإستشهاد – بأي حال كان – بالمواد القانونية الواردة في الإتفاقيات الدولية بأن ثمة فراغ ومساحة لم تغطيها أحكام الشريعة الإسلامية متمثلة بالقرآن والاحاديث النبوية أو أن بها قصورًا بشأن تعاليم وقيم وضوابط النزاعات المسلحة في إطارها العام .
وإنما كان الهدف من ذلك ليرى المنصفين من اصحاب الضمائر أي جرائم أرتكبت من المجرمين الإرهابيين الفاسدين الفاقدين للقيم الإنسانية الذين حاربوا الإمام الحسين ومن في معسكره قبل النزاع المسلح وأثناءه وبعده من بداية إغتصاب يزيد بن معاوية للسلطة السياسية باسم خليفة المسلمين.
وهذه الجرائم والانتهاكات سنستعرض بعضها على سبيل المثال لا الحصر في خمس نقاط أساسية هي كالتالي :
اولًا: التأسيس للحكم الوراثي بمعنى إنتقال الحكم من الأب للأبن وهذا ما نراه مستمرًا حتى عصرنا الحالي في أغلب الدول العربية بمسمى توريث السلطة والتي تنص عليها الدساتير المعمول بها لشرعنة وجود هذا الحاكم أو ذاك بالمخالفة لما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة الحادية والعشرون من الإعلان العالمي لحقوق الانسان حيث جاء فيها ” ان إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة تجري على أساس الإقتراع السري، وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت ” وهذا الأمر لم يتم بشأن يزيد بمعنى أن الأخير لم يستند للقواعد الشعبية في اختياره حاكمًا وإنما استولى على السلطة بالقوة وبذلك تعتبر سلطته فاسدة وهذا ما قررته المادة
.الثالثة من إعلان حقوق الانسان والمواطن حيث نصت على أن ” الأمة هي مصدر كل سلطة ، وكل سلطة للافراد أو الجمهور من الناس لا تكون صادرة منها تكون سلطة فاسدة “
كما نصت المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن
” لكافة الشعوب الحق في تقرير المصير، ولها استنادًا لهذا الحق أن تقرر بحرية كيانها السياسي وأن تواصل بحرية نموها الإقتصادي والاجتماعي والثقافي… الخ “
ولما كان ذلك وكان حكم يزيد غير صادر من مصدر السلطات الشعب فيكون حكمه حسب المواد المتقدمة حكما فاسدًا من جهة ومن جهة أخرى، وحيث أن الإمام الحسين عليه السلام أحد أفراد الأمة في الأراضي الإسلامية وله ولكل فرد من الأمة حق اختيار الحاكم وأفراد الحكومة كما له أن يعترض لذا فإن المنطق يقول بأن من له حق الإختيار بالقبول له حق الاعتراض والرفض وهذا ما كان يرفضه مغتصب السلطة يزيد وعليه تكون سلطته بالمفهوم القانوني الحديث غير شرعية ويترتب على ذلك أن كل قانون يصدر منه ومن حكومته كونها سلطة غير شرعية باطلا بناء على المبدأ القانوني ” ما بني على باطل فهو باطل “
ثانيا: الشروع في جريمة إكراه الإمام الحسين على البيعة لإعطاء شرعية لحكم يزيد، وفي ذلك تحريض من مغتصب السلطة لأعوانه بالاعتداء على سلامة جسم الغير بالمعنى القانوني
” الإمام الحسين بن علي ” وتصفيتة جسديًا في حال رفض الموافقة على تعيين يزيد حاكمًا للمسلمين وهذا ما جرى في قصر حاكم المدينة المعين من يزيد، وهذا الأمر مخالف للمادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على ان ” لكل فرد الحق في الحياة، والحرية، وسلامة شخصه ” ومن خلال الوقائع يتضح أن يزيد وأعوانه أرادوا مصاردة حرية الإمام الحسين وأيضا منعه من التعبير عن أرائه بل وإكراهه على المبايعة بالقوة وفي حال امتناعه أن يتم الاعتداء على حقة في الحياة وذلك باغتياله مباشرة وفي ذلك مخالفة صريحة وواضحة للمادة التاسعة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي نصت على أن “لكل شخص الحق في حرية الراي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء، دون أي تدخل… الخ .
ثالثا : إنتهاك حرمة دور العبادة حيث قام يزيد بتوجيه مباشر منه لاعوانه باغتيال الإمام الحسين عليه السلام للمرة الثانية بعد المحاولة الأولى التي أشرنا لها لكن هذه المرة ستكون محاولة الاغتيال في بيت الله بمكة المكرمة “الكعبة” قبلة المسلمين وأقدس بقعة على وجه الأرض وفي ذلك انتهاك لحرمة دور العبادة وقد فشلت المحاولة بسبب خارج عن إرادة المحرض والمكلفين بالتنفيذ حيث أن الإمام عليه السلام بمجرد علمه بمؤامرة الاغتيال خرج من بيت الله بل ومن مكة.
..ويمكن للقارىء مطالعة دساتير دول العالم ذات النظم الديمقراطية ليجد ان تلك الأنظمة تنص في دساتيرها على كفالتها لحرمة دور العبادة.
رابعا : عدم إستقلال القضاء بمعناه الفني إعمالًا لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث لضمان حماية حقوق الأفراد من سن التشريعات غير الدستورية حين تنحرف السلطة التشريعية في عملها وكذلك أمام تجاوزات السلطة التنفيذية وتحديدًا أجهزة المخابرات وقوات الأمن الداخلي ضد حقوق المواطنين.
فعلى سبيل المثال نجد أن قضية إعتقال مسلم بن عقيل سفير الامام الحسين لأهل الكوفة من قبل أعوان يزيد نجد أن الخصم والحكم كان واحدًا متمثلا في عبيد الله ابن زياد “المعين من يزيد واليا على الكوفة” حيث أن استقلال القضاء لم يكن مطبقًا لضمان حقوق المتهمين خلافًا لما نصت عليه الفقرة الاولى من المبادىء الأساسية لاستقلال القضاء التي صادقت عليها الجمعية العامة يوم 29 نوفمبر 1985م فقد نصت الفقرة سالفة الذكر على أن ” تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية، وينص عليه دستور البلاد أو قوانينه، ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات إحترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية “
كما نصت الفقرة الثانية من ذات المبادىء على أن ” تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيز ، على أساس الوقائع ووفقا للقانون، ودون أية تقييدات او تاثيرات غير سليمة أو أية إغراءات أو ضغوط أو تهديدات او تدخلات مباشرة كانت أو غير مباشرة، من أية جهة و لأي سبب ” وهذا لم يكن موجودا إطلاقًا، فالتدخل في إجراءات المحاكمة سيد الموقف من يزيد فلا ضمانات لحقوق المتهم ولا إحترام لها ولا استقلال للقضاة وهذا الأمر يؤدي لنتيجة لا ثاني لها وهي عدم استقلال القضاء .
وهو ما يؤكد بشكل صريح مخالفة المادة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الانسان التي نصت على ان ” لكل إنسان الحق، وعلى قدم المساواة التامة مع الاخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظرًا عادلًا علنيًا للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه”
وعليه فإن ما وقع لمسلم بن عقيل خلاف الاتفاقيات والمواد المتعلقة بحقوق الانسان في المثول أمام قضاء مستقل نزيه.
خامسًا : حرمان الأطفال من حق الحياة وهو أهم حق من حقوق الانسان حيث تم قتلهم مع سبق الإصرار والترصد بدم بارد قبل واقعة كربلاء وأثناءها وبعدها في انتهاك واضح لأحكام إتفاقية الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في العشرين من نوفمبر لعام 1989 م .
فعلى سبيل المثال تنص فقرة رقم أثنين من المادة الثانية من إتفاقية حقوق الطفل على أن ” تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكقل للطفل الحماية من جميع اشكال التمييز أو العقاب القائمة على أساس مركز الطفل أو والديه أو الأوصياء الشرعيين عليه أو أعضاء اﻷسرة أو نشاطاتهم أو ارائهم المعبر عنها أو معتقداتهم “
كما تنص كل دساتير العالم وقوانين العقوبات الجنائية على أن العقوبة شخصية فلا يتم معاقبة شخص بجرم شخص اخر .
وبناء على ما تقدم سنورد ثلاثة أمثلة تباعًا للتاكيد على تلك الجرائم في حق الطفولة
المثال الأول فقد وقع قبل واقعة كربلاء حيث تم قتل أولاد مسلم بن عقيل سفير الإمام الحسين ﻷهل الكوفة حيث كان عمر محمد إحدى عشر سنة وإبراهيم تسع سنوات وقد تعقبتهم السلطة إلى أن وجدهم المدعو الحارث بن عروة وقام بقتلهما وذهب براسيهما إلى عبيد الله بن زياد.
أما المثال الثاني فقد كان في واقعة كربلاء حيث أنه بعد استشهاد كل أنصار الامام الحسين عليه السلام طلب الإمام من أهل بيته أن ياتوا له بابنه عبد الله الرضيع وكان عمره ستة أشهر ليودعه فأخذ يقبله واذا بحرملة بن كاهل الأسدي يسدد سهمًا نحو الرضيع فيقتله وهو عند والده.
أما المثال الثالث فقد كان بعد إنتهاء النزاع المسلح بين المعسكرين وتحديدًا بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام فقد سحقت خيول جيش يزيد طفلة تبلغ من العمر سبع سنوات اسمها عاتكة بنت مسلم بن عقيل بن أبي طالب حدث ذلك عند الهجوم على مخيمات الإمام التي يوجد بها نساء وأطفال فقط.
ومن خلال ما تقدم يتضح للقارىء بشاعة الجرائم والانتهاكات في حق الطفولة والتي ارتكبت ضد أبناء المعارضين للفكر والحكم الأموي آنذاك حيث أنه لم يتم الإلتزام بمبدأ شخصية العقوبة بل تعدتها لاستهداف كل ما يتصل بالمعارضين حتى أطفالهم .
ومع أن العالم الاسلامي كانت الإغتيالات فيه شائعة للخصوم السياسيين إلا أن العرب تحديدًا يرون أنه من العار التعرض بالإيذاء والتعذيب والإرهاب للفئة غير المشتركة في العمل القتالي إلا أن ما وقع في كربلاء خرج عن كل أطر التعاليم السماوية والقيم الإنسانية والقوانين الدولية وخرج عن أعراف العرب!