في حارة حريك: المكتبة العلمية تنهض من تحت الركام/ نادين خزعل
كل من ارتاد الضاحية الجنوبية يومًا، أو سكن فيها، يدرك العلاقة الثلاثية الوثيقة بين: الضاحية، حارة حريك، المكتبة العلمية….
Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!ارتباط في الموروث الوجداني سما عن الحضور المكاني والتواجد الزماني، فباتت المكتبة العلمية دليلًا، وحدودًا، ومعيارًا….
إلى أين أنت متوجه؟
قبل المكتبة العلمية…بعد المكتبة العلمية…شارع المكتبة العلمية..قف قرب المكتبة العلمية واتصل بي… نلتقي على رصيف المكتبة العلمية…..
هكذا حتى العاشر من تشرين الأول 2024….
ذلك النهار الأسود، غارات الحقد ألهبت النيران، والنيران اندلعت وتهاوى مبنى المكتبة العلمية ومعه صرخات ودموع وأنين….
الجميع بكى على المكتبة العلمية، كما بكى على الضاحية وعلى لبنان….
ولكن….
هنا الضاحية…
هنا حارة حريك…
هنا حكايا الصمود….
هنا حكايا الولادة…
هنا من الموت تنبثق الحياة….
هنا “المكتبة العلمية تنهض من تحت الركام”….
من بين حجارةٍ سوداء أحرقتها نيران الحقد، ومن قلب الركام الذي حاول العدو أن يجعل منه شاهداً على موت الذاكرة، عادت المكتبة العلمية في حارة حريك لتفتح أبوابها من جديد.
أراد العدو ونجح في أن يهدم جدرانها، أن يطفئ نورها، وأن يحيل رفوفها إلى غبار متناثر… لكنه عجز عن أن يقتل الحلم..
اليوم، تعود المكتبة لتقول إن العلم لا يُقصف، وإن الثقافة لا تُهدم بصواريخ..
ظنّ العدو أنّه قد يمحي التاريخ بسواد همجيته وبطشه، ولكن ها هي الصفحات في المكتبة العلمية تعود بيضاء ناصعة، تكتب بمداد الأمل، وتستقبل عشاق المعرفة وطلاب الحقيقة.
إعادة افتتاح المكتبة العلمية في حارة حريك، مقابل المبنى المدمر، تحمل في طياتها الكثير….
كأنّ العبور من رصيف إلى رصيف هو عبور نحو الانتصار والاستمرار…
هو رسالة مقاومة بحد ذاته: أنّ ما يُبنى بالوعي والفكر، لا تهدمه الحروب، بل يزداد صلابة ورسوخاً. فالمكتبة لم تنهض من بين الركام فقط، بل نهضت من بين ذاكرة الألم لتكتب فصلاً جديداً من الصمود، وتزرع في وجدان الأجيال أن القنابل لا توقف العقل، وأن العتمة مهما اشتدت لا تطفئ شعلة المعرفة.
حارة حريك، أيقونة مناطق الشهادة التي تسجى ترابها بأقدس الشهداء، دفعت ثمناً باهظًا، في العدوان الأخير، و عودة المكتبة العلمية إلى الحياة تُعيد إلى المكان نبضه، وتثبت أنّ الضاحية الجنوبية لا تعرف إلا أن تقوم من جديد، أقوى….
إنها مكتبة نفضت عنها الغبار، ووقفت شامخة ترفع شعارها: “المكتبة العلمية تنهض من تحت الركام”، لتؤكد أنّ المعركة الحقيقية تبدأ من العقل، وأن الانتصار الأجمل هو حين تنتصر الإرادة….