الضاحية الجنوبية تُحيي عاشوراء: من بين الركام ملحمة الآلام. / نادين خزعل.
رغم وجع الضاحية الجنوبية، رغم استشهاد القادة، رغم الجراح التي لم تندمل بعد، ورغم آثار الدمار التي لا تزال ماثلة في الأزقة والشوارع، نهضت الضاحية الجنوبية لبيروت من تحت الرماد، لتُحيي ذكرى عاشوراء بقلب نابض بالإيمان والوفاء، وشعور صادق بالانتماء إلى مدرسة كربلاء.
Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!منذ الليلة الأولى، اتشحت الشوارع بالسواد، وتزينت الجدران بلافتات كربلائية تنطق بالولاء، وارتفعت الرايات الحسينية في كل زاوية، وكأن الضاحية على موعد مع النور وسط ظلمة المحن. لم تثنِ الظروف الصعبة أهلها عن استحضار ملحمة الطف، بل زادتهم إصرارًا على تجديد العهد مع الحسين عليه السلام، ورفع الصوت عاليًا: “لن نركع إلا لله”.
شهدت الليالي العاشورائية تنظيمًا دقيقًا وحضورًا كثيفًا، توزعت المجالس في الحسينيات والساحات، حيث صدحت المنابر بذكر الحسين وآل البيت، ولامست الخطب قلوب الحاضرين، الذين اجتمعوا على الحزن والرجاء، على الوفاء والتضحية، على الدموع والدروس. لم تكن عاشوراء هذا العام مجرد مناسبة دينية، بل كانت فعل مقاومة، وصورة أخرى من صور الصمود في وجه الألم والتهميش.
وفي مشهد يختزل روح التضامن والتكافل، انتشرت المضائف في كل حيّ وشارع، تقدّم الطعام والماء والخدمة لزوار الإمام الحسين، كبارًا وصغارًا، دون تمييز أو كلل. أبناء الضاحية، رغم ما يعانونه من أزمات اقتصادية خانقة، أبَوا إلا أن يشاركوا بما يستطيعون، فطهى النساء، وبذل الشباب، وشارك الجميع، لأن الحسين ليس طيفًا من الماضي، بل روح حية في وجدانهم اليومي.
لم تغب مشاهد الأطفال الذين ارتدوا لباس “علي الأصغر”، ولم تفارق الدموع وجوه الأمهات اللواتي وجدن في زينب قدوتهن في الصبر، ولا الحناجر التي هتفت “هيهات منا الذلة” كأنها تُعلن عن صلابة مجتمع لا تنكسر عزيمته.
الضاحية الجنوبية، التي تعرف معنى الفقد، وتحفظ وجع الانتظار، لم تحتج إلى دعوة لتُحيي عاشوراء. فهي لم تنسَ يومًا أن الحسين شهيد الحق، وأن ذكراه نور في زمن الظلمة، وبوصلة في زمن التيه. من بين الركام، ارتفعت راية الحسين لتقول: هنا شعب لا يموت، وهنا وجع لا يستسلم، وهنا حب لا يخبو.